153- احتاج إليه، واحتاجه، واحتاج له
نجد في المعاجم أن العرب درجوا على تعدية ما صيغ من هذه المادة بالحرف (إلى)، فقالوا: احتجتُ إليه، وما أَحْوَجَني إليه، وبي حاجة إليه...
على أن كثيراً من البلغاء قد عَدَّوْا (احتاج) بنفسه؛
فقال الإمام الشافعي مثلاً: «لو احتجتُ بصلة ما تعلَّمتُ مسألة».
وقال الشريف الرضي في رثاء ابن جني: «ما احتاج بُرْداً غيرَ بُرْدِ عَفافه».
واستعمل (احتاجه) أيضاً الإمام الهوريني والإمام الصبّان.... فما الوجه في تعدية (احتاج) بنفسه، خلافاً لما جاء في المعاجم؟
الوجه أن يُحْمل قولهم (احتاجه) على التضمين. فإذا قلتَ (احتجت إلى المال) قصدتَ أنك قد افتقرت إليه، ولا شيءَ غير ذلك. فإذا أَشْرَبْتَه، أو ضَمَّنْتَه، معنى (تَطَلَّبْتَه أو التَمَسْتَه) فَعَدَّيْته بنفسه (احتجتُ المالَ) كما يَتَعدّى هذان الفعلان، كان معنى قول الشافعي أنه لو احتاج إلى بصلة فالتَمَسَها وتَطَلَّبَها وشُغِل بذلك، لما تَعَلَّم مسألة!
وكذلك معنى قول الشريف الرضي، أي ما احتاج إلى بُرْدٍ ولا التمس بُرْداً غير بُرْد عفافه. وعلى هذا يكون قولك (احتجتُ) الشيء صحيحاً بهذا المعنى! وإلا فهل يفوت الشافعي- المعروف بالفصاحة وحُسْن البيان- أو الشريف الرضي- وهو راسخ القدم في الكتابة والشِّعْر- أنَّ (احتاج) يتعدى بالحرف؟
وإذا أخذنا برأي الأئمة، القائل بتَعَاقُب (اللام) و (إلى) في كثير من المواضع لِتَقَاربهما وتَماثُلهما، أمكن القول (احتاج للشيءِ)، وهذا ما استعمله بعض الأدباء القدامى والمحدثين.